بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
فقد أعظم على الله الفرية
كنت أتخيل أننا وصلنا لدرجة من الوعي تجعلنا أكثر حرصا على التمسك بثوابتنا وكنت أحسب أن زمن التأثير علينا وتشتيت
الرئيسية » فكر إسلامي » الإسلام دين السلام
الحديث عن السلام في الإسلام أكبر من أن يختصر في مقالة، فالإسلام دين السلام ودين الرحمة، ومما لا شك فيه ولا مراء أن النبي (ًصلى الله عليه وسلم) أرسل بالرحمة قال تعالى “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ” (الأنبياء 107)، وأن النبي جاء بالأخلاق “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”، فإذا جاء النبي بالرحمة والأخلاق فهل ينتج عن ذلك إلا السلام.
إن الناظر في حال العرب قبل البعثة يرى أنهم ذاقوا من ويلات الحروب ما ذاقوا، وقد شاهد النبي بعضا منها في نشأته، والعجيب أنها لأتفه الأسباب بل ربما بدون سبب أصلا، ثم جاء الإسلام لينتزع كل هذه الجاهلية ويقر مبدأ السلام والأخلاق وحسن المعاملة، وكان صلى الله عليه وسلم أبعد ما يكون عن الحروب والصدامات، بل وما يؤدي إليها وذلك انطلاقا من تلك الرسالة السامية التي جاءت نورا وهدى للناس.
لا يزال أعداء الإسلام يلقون بالشبه عليه، فقالوا أن الإسلام فتح بالسيف ودين القتل، ويكفي دحضا لهؤلاء أن المتتبع لآيات القرآن الكريم بعين الفكر والتدبر، يجد أن لفظ السلم ومشتقاته ورد مائة وأربع وأربعين مرة، وأن لفظ الحرب وما اشتق منه ورد ست مرات فقط
وكان صلى الله عليه وسلم يختار الأسماء اللطيفة الجميلة وكان مما يكره اسم حرب، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يُغيّر اسم مَن اسمه حرب إلى اسم آخر أحسن وأجمل، فعَنْ هَانِئِ بْنِ هَانِئٍ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، قَالَ: “لَمَّا وُلِدَ الْحَسَنُ سَمَّيْتُهُ حَرْبًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَرُونِي ابْنِي، مَا سَمَّيْتُمُوهُ؟ قَالَ: قُلْتُ: حَرْبًا، قَالَ: “بَلْ هُو حَسَنٌ”، فَلَمَّا وُلِدَ الْحُسَيْنُ سَمَّيْتُهُ حَرْبًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: “أَرُونِي ابْنِي، مَا سَمَّيْتُمُوهُ؟ قَالَ: قُلْتُ: حَرْبًا، قَالَ: “بَلْ هُوَ حُسَيْنٌ”، فَلَمَّا وُلِدَ الثَّالِثُ سَمَّيْتُهُ حَرْبًا، فَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: “أَرُونِي ابْنِي، مَا سَمَّيْتُمُوهُ؟” قُلْتُ: حَرْبًا، قَالَ: “بَلْ هُوَ مُحَسِّنٌ”، ثُمَّ قَالَ: “سَمَّيْتُهُمْ بِأَسْمَاءِ وَلَدِ هَارُونَ: شَبَّرُ وَشَبِيرُ وَمُشَبِّرٌ. (رواه أحمد)
فهذه هي نظرته للحرب، وهذه هي نظرته للسلم.. ألا حقًا ما أرحمها من نظرة! وإذا أنخت بطرف العين نحو الفقهاء وجدتهم عند الحديث عن مسائل الحروب والسلام، يعنونون الباب (فقه السلم والحرب) بتقديم السلم على الحرب لأنه أصل الرسالة، ولا يزال أعداء الإسلام يلقون بالشبه عليه، فقالوا أن الإسلام فتح بالسيف ودين القتل، ويكفي دحضا لهؤلاء أن المتتبع لآيات القرآن الكريم بعين الفكر والتدبر، يجد أن لفظ السلم ومشتقاته ورد مائة وأربع وأربعين مرة، وأن لفظ الحرب وما اشتق منه ورد ست مرات فقط، فإن دل هذا فإنما يدل ويعكس نظرة الإسلام في هذه القضية ونظرة نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم.
وإذا عرجنا قليلا لنقف على آية من كتاب الله في هذا الصدد وهي قوله تعالى: “وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا”، ففيها دلالة دامغة على تبني مبدأ السلم والسلام وأنه القاعدة الأساسية لهذه الأمة. ويقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله عند تفسيره لهذه الآية: التعبير عن الميل إلى السلم بالجنوح تعبير لطيف، يلقي ظل الدَّعة الرقيق، فهي حركة جناح يميل إلى جانب السلم، ويُرخي ريشه في وداعة.
بل وعبر الله تعالى عن الإسلام بالسلم قال تعالى: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً”(البقرة 208) والسلم هنا هو الإسلام، بل وأخبر المولى عز وجل أن سبيل الله ودينه هو السلام قال تعالى “يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ” (المائدة 16)، وغير ذلك كثير. وإذا تطرقت على سماحة الإسلام مع غير المسلمين، ونقبت التاريخ ودارست أحوال السابقين لتعلم كيف رسخ الدين قواعد السلام للأمة وعليه كان نهج السلف الصالح، وحسبهم في ذلك قوله تعالى “لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ” (الممتحنة8)، ودلالة الآية واضحة لا تحتاج إلى بيان ولكن لن يدرك الشمس من به رمد.
إن السلام هو الأصل في علاقة المسلمين بغيرهم، وأن الجهاد (الحرب) شرع لأجل الحفاظ على السلام من اعتداء الظالمين على الضعفاء، ولهذا جاء الإسلام وسطا، فلم يجعل الحرب أصلا، ولكنه لم يكن يوما ما دين ذل وهوان
ولعل سائلا يسأل: ما بال تلك الحروب والغزوات التي خاضها النبي صلى الله عليه وسلم؟!، فجدير به أن يعلم أن النبي مكث ما يقرب من نصف دعوته صابرا محتسبا لم يحارب قط، وكان يحث أصحابه على التحمل والصبر، وكان كلما شكوا إليه يقول “لم أؤمر بقتال” ولو نظرت للأمر عقلا ما يمنعك من رجل يعذبك ويستبيح مالك ودمك، بل ويقتلك، هل من العقل أن تتركه يفعل بك ما يشاء، لكنها حكمة الله ودروس الصبر.
وإذا ما انتقلت ونظرت بعين البصيرة إلى غزوات النبي ص وحروبه، تجد أنه لم يثبت أنه بدأ بحرب بغتة أو فجأة وإنما كانت حروبه دفاعا وإحياءاً لمبدأ السلام، فالنبي صلى الله عليه وسلم هو أول واضع لوثيقة تحفظ السلام والأمان، وهو بمثابة أول دستور مدني يكفل الحقوق والحريات، والمدينة آنذاك بها اليهود والنصارى وعباد الأوثان إلى جانب المسلمين، فالإسلام أصل العلاقة بينه وبين غير المسلمين. ومع ذلك شرع الإسلام الجهاد، ويتحرج البعض من التصريح بالاسم في الوقت الذي يستعمل فيه لفظ الحرب!
والجهاد في التشريع يلزم المجاهدين أخلاقا يراقبون بها الله تعالى حتى في حال قتالهم “وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا” (البقرة 190) والآثار في ذلك كثيرة وخلاصة القول: أن السلام هو الأصل في علاقة المسلمين بغيرهم، وأن الجهاد (الحرب) شرع لأجل الحفاظ على السلام من اعتداء الظالمين على الضعفاء، ولهذا جاء الإسلام وسطا، فلم يجعل الحرب أصلا، ولكنه لم يكن يوما ما دين ذل وهوان، بل دين قوة وعزة، “وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ” (الحديد: 25).
كنت أتخيل أننا وصلنا لدرجة من الوعي تجعلنا أكثر حرصا على التمسك بثوابتنا وكنت أحسب أن زمن التأثير علينا وتشتيت
رغم أن قناعتي، أن كل شخص استطيع أن أضيفه إلى قائمة اتصالاتي مكسب كبير أضيفه إلى رصيد شخصيتي المتواضعة، إلا