خداع الدنيا وزخرفها

قال الله تعالى: "فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ"، إن هذا الفوز العظيم لا يكون إلا لمن استعد لذلك اليوم، لمن جعل طاعته لله ورضاه هو...

خداع الدنيا وزخرفها

الحمد لله الذي لا يُحمد على مكروه سواه، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

أيها الأحبة في الله، دعونا نقف اليوم مع لحظة تأمل في هذه الحياة الدنيا، التي طالما خدعتنا بزخرفها وغرّتنا بأحلامها، حياةٌ مليئة بالتقلبات والمفاجآت، يومٌ يمرّ علينا ونحن في عافية وسلام، ويومٌ آخر قد يأتي يحمل معه ما لم نكن نتصوره من هموم وابتلاءات، هذه الحياة دار اختبار، وليست دار قرار، ونحن نعيش فيها وكلنا ضيوف عابرون.

أما تساءلنا يومًا: إلى متى نركن إلى الدنيا؟ إلى متى نتعلق بزينتها وملذاتها؟ والله، ما هي إلا أيامٌ معدودات، وينقطع بها الأمل، وتبقى الأعمال. يومًا ما سيأتي الموت، ولن يكون له من رادّ، يومًا نُساق فيه إلى القبور، ونفارق الدنيا بكل ما فيها، لا مال، ولا جاه، ولا أبناء، ولا أصحاب، سيبقون معنا، إنما نُترك وحدنا في ظلمة القبر، مع عملنا.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يتبع الميت ثلاثة: أهله وماله وعمله، فيرجع اثنان ويبقى واحد: يرجع أهله وماله، ويبقى عمله”

هذه الحقيقة الجليّة التي تغيب عن كثير منا، أننا مهما جمعنا من أموالٍ، أو وصلنا من مناصب، أو كانت لنا من علاقات، فإن كل ذلك سيفارقنا، ولن يبقى معنا سوى ما قدّمنا من أعمال في هذه الدنيا.

فماذا أعددنا لهذا اليوم؟ يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلبٍ سليم. يوم تذهل فيه كل نفسٍ عن أقرب الناس إليها، يوم يقول المرء: “نفسي نفسي”، علينا أن نقف مع أنفسنا وقفة جادة، نسأل الله العفو والمغفرة، ونتذكر دائمًا أن الله رقيب علينا في كل أفعالنا وأقوالنا.

أيها الأحبة، لو فكرنا قليلاً، لوجدنا أن السعادة الحقيقية ليست في الدنيا، بل هي في القرب من الله، في الإخلاص لله، في الاستعداد للقاء الله. ما أجمل أن نسعى لأن تكون أعمالنا خالصة لوجه الله، أن نقوم الليل ونتذلل بين يديه، أن نتصدّق سراً، أن نساعد المحتاجين، أن نصل رحمنا، وأن نؤدي الفرائض التي افترضها الله علينا. كل هذا هو الزاد الحقيقي الذي سيفتح لنا أبواب الجنة يوم القيامة.

قال الله تعالى: “فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ”، إن هذا الفوز العظيم لا يكون إلا لمن استعد لذلك اليوم، لمن جعل طاعته لله ورضاه هو الغاية والهدف.

أحبتي، لنجعل هذه اللحظة نقطة تحول في حياتنا، لنتوب إلى الله توبة نصوحًا، ولنبدأ عهدًا جديدًا مع الله، نتقرب فيه إليه بالطاعات، ونتجنب ما نهانا عنه من المعاصي والذنوب. فباب التوبة مفتوح، ورحمة الله وسعت كل شيء.

نسأل الله أن يتقبل منا ومنكم، وأن يهدينا إلى سواء السبيل، وأن يجعلنا من عباده الصالحين الذين لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون.

ذات صلة

منهج حياة

إنها صورة جميلة تُجسد التراحم بين المؤمنين، كالجسد الواحد الذي يشعر بألم أي جزء منه. فإذا رأيت أخاك المسلم في

المزيد »

الصبر

الصبر هو مفتاح الفرج، وبه يرتقي المؤمن في درجات الإيمان، ويرضى بقضاء الله وقدره مهما اشتدت به المحن أو نزلت

المزيد »

الغفلة

يقول الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله: “ما دام الإنسان يأمل الحياة فإنه لا يقطع أمله من الدنيا، وقد لا

المزيد »

تواصل معنا

شـــــارك