الصبر هو مفتاح الفرج، وبه يرتقي المؤمن في درجات الإيمان، ويرضى بقضاء الله وقدره مهما اشتدت به المحن أو نزلت به الكرب. فالحياة الدنيا دار ابتلاء، فيها ما يُفرح ويُسعد، وفيها ما يُحزن ويُؤلم....

الصبر

مرتقى المؤمن في درجات الإيمان

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.

أما بعد:

أيها الأحبة، حديثي معكم اليوم عن خلق عظيمٍ من أخلاق المؤمنين، عبادة قلبية لا يتحلى بها إلا من امتلأ قلبه إيمانًا وثقةً بالله، إنها الصبر.

الصبر هو مفتاح الفرج، وبه يرتقي المؤمن في درجات الإيمان، ويرضى بقضاء الله وقدره مهما اشتدت به المحن أو نزلت به الكرب. فالحياة الدنيا دار ابتلاء، فيها ما يُفرح ويُسعد، وفيها ما يُحزن ويُؤلم. والإنسان لا يمكن أن يعيش في هذه الدنيا دون أن يمر بتحديات واختبارات، تُختبر فيها قوة إيمانه ويُقاس فيها مدى صبره.

يقول الله سبحانه وتعالى في محكم تنزيله: “وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ  وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ. الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ”

هذه الآية تضع لنا منهاجًا واضحًا في كيفية التعامل مع المصائب والابتلاءات. فهي ليست إلا وسيلة للتقرب إلى الله، وامتحان لقوة إيماننا. الصبر ليس مجرد تحمّلٍ للألم، بل هو رضا وتسليم بأن كل ما يأتي من الله هو خير، سواء أدركنا ذلك أم لم ندرك. إنه يقين بأن ما يُصيب المؤمن لا يمكن أن يكون إلا لحكمةٍ يعلمها الله وحده، سواء كانت تلك الحكمة في رفع درجاتنا أو تكفير سيئاتنا أو امتحان إيماننا.

أيها الأحبة، إن الصبر على الابتلاء هو دليل حب الله لعبده، فقد قال رسول الله ﷺ: “إن عِظَم الجزاء مع عِظَم البلاء، وإن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط”، فانظروا كيف أن الرضا بالصبر عند البلاء يجلب رضا الله، أما السخط والجزع فلا يزيد المصاب إلا ألمًا فوق ألمه، ولا يجلب له إلا غضب الله.

فلنأخذ العبرة من الأنبياء عليهم السلام، فهم أعظم من صبر في سبيل الله. نبي الله أيوب عليه السلام، ابتُلي بالمرض سنين طويلة، فقد المال والأهل، لكنه كان صابرًا محتسبًا، يدعو الله ويقول: “ربي، إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين”، صبره كان مليئًا بالأمل والثقة برحمة الله، حتى جاءه الفرج من الله تعالى.

وكذلك سيدنا يعقوب عليه السلام، الذي فقد ابنه يوسف عليه السلام لسنواتٍ طويلة، ورغم حزنه الشديد إلا أنه قال: “فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ”، كان صبره جميلاً، دون شكوى ولا جزع، فقط يقينًا بأن الفرج قادم من الله.

أيها الأحبة، إن الحياة الدنيا مليئة بالابتلاءات، فربما يكون الابتلاء في المال، وربما في الصحة، وربما في الأحبة. ولكن مهما كان نوع الابتلاء، فإن الصبر هو المفتاح. قال رسول الله ﷺ: “ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفّر الله بها من خطاياه”، فكل لحظة صبر تمر بها، كل دمعة تُذرف خفيةً، كل وجع تحتمله، يجعله الله سببًا في رفع درجاتك وتكفير ذنوبك.

أيها الصابرون، إن الله معكم، يسمع دعاءكم، ويرى ما تُعانون، ولا يضيع صبركم أبدًا. قال الله تعالى: “إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ”،فاصبروا واحتسبوا، واعلموا أن بعد العسر يسراً، وأن الفرج قريب. وكما قال النبي ﷺ: “واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا”.

فيا من أثقلته هموم الدنيا، ويا من ظن أن البلاء لا نهاية له، تذكر أن الله أرحم بك مما تتخيل، وأن الله لا يُبتليك إلا ليطهرك أو يرفع درجتك. فاصبر، وتوكل على الله، واحتسب كل ألم، فإن الجزاء من عند الله عظيم، وأجر الصابرين لا حدود له.

اللهم ارزقنا الصبر والرضا، واجعلنا من الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم فرّج هم المهمومين واشفِ مرضانا وارحم موتانا، وأجرنا على صبرنا يا أرحم الراحمين.

ذات صلة

خداع الدنيا وزخرفها

قال الله تعالى: “فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ”، إن هذا الفوز

المزيد »

قسوة القلب

قسوة القلب وأهمية التخلص من أخطر الأمراض اشغل نفسك بأفضل الأعمال ذكر الله
صعوبة قسوة القلب على أفكار وأفعال

المزيد »

تواصل معنا

شـــــارك