بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
قسوة القلب
قسوة القلب وأهمية التخلص من أخطر الأمراض اشغل نفسك بأفضل الأعمال ذكر الله
صعوبة قسوة القلب على أفكار وأفعال
الرئيسية » دروس خطب مواعظ » منهج حياة
الحمد لله الذي أمر بالتراحم والتعاطف بين عباده، وجعل الرحمة من أعظم صفات المؤمنين. نحمده سبحانه وتعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
أيها الأحبة في الله، حديثنا اليوم عن خلق عظيم من أخلاق الإسلام، عن صفة جليلة أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم وعلّمنا أن بها يُبنى المجتمع المسلم وتتماسك أوصاله. إنها الرحمة، تلك الصفة التي لو سادت بين الناس لأصبحوا كالبنيان المرصوص، يشد بعضه بعضًا.
الرحمة ليست مجرد شعور أو عاطفة عابرة، بل هي سلوك يومي يجب أن يظهر في تعاملاتنا مع بعضنا البعض. هي أن ترى آلام الآخرين وكأنها آلامك، وأن تمدّ يد العون لمن يحتاج إليها، وأن تكون لينًا في معاملتك، متسامحًا مع زلات إخوانك، رؤوفًا بالضعيف، حنونًا على المسكين، عطوفًا على الفقير، مشفقًا على كل من حولك.
يقول الله عز وجل في كتابه الكريم: “فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ”
هذه الآية الكريمة تُذكرنا كيف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، برغم عظمته وكمال أخلاقه، كان لينًا رحيمًا بأصحابه. فلو كان فظًا أو قاسيًا في تعامله، لما اجتمع الناس حوله ولا أحبوه هذا الحب العظيم، الرحمة هي التي جذبت الناس إليه، وجعلتهم يتفانون في خدمته والاقتداء به.
وقد بيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهمية الرحمة بين المسلمين فقال: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”
إنها صورة جميلة تُجسد التراحم بين المؤمنين، كالجسد الواحد الذي يشعر بألم أي جزء منه. فإذا رأيت أخاك المسلم في كربة أو شدة، فإن الرحمة تقتضي أن تهب لنجدته وتخفيف معاناته كما لو كنت أنت من يتألم.
أيها الأحبة، إن الرحمة لا تكون فقط بيننا كبشر، بل يجب أن تمتد لتشمل كل المخلوقات، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: “الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء”
هذه الرحمة ليست مقتصرة على البشر فقط، بل تشمل الحيوانات وحتى النباتات، تذكّروا قصة المرأة التي دخلت الجنة بسبب كلب سقته ماءً من شدة عطشه، وقصة المرأة الأخرى التي دخلت النار بسبب قطة حبستها ومنعت عنها الطعام والشراب حتى ماتت.
أيها المسلمون، نحن اليوم في عالم تمزقه الحروب والآلام، نرى من حولنا من يعاني من الفقر والجوع والمرض والظلم، فأين نحن من الرحمة التي أوصانا بها النبي صلى الله عليه وسلم؟ أين قلوبنا من معاناة إخواننا المسلمين في كل مكان؟ يجب أن نتذكر أن الرحمة ليست مجرد كلمات نقولها، بل هي أعمال صالحة نؤديها: إطعام جائع، كسوة عريان، مساعدة محتاج، رفع الظلم عن المظلوم.
ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أرحم الناس بالخلق، حتى مع من أساء إليه، كان يعفو ويصفح، ويتجاوز عن الأذى، ولنتذكر يوم فتح مكة، عندما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة منتصرًا، وقد وقف أهلها ينتظرون حكمه فيهم، فقال لهم: “اذهبوا فأنتم الطلقاء”، فهذا هو رسول الرحمة الذي لم يشمت بأعدائه ولم ينتقم ممن آذاه، بل عفا وصفح رحمةً بهم.
أيها الأحبة، علينا أن نربي أنفسنا وأولادنا على التراحم، أن ننشئ أجيالًا تعرف معنى الرحمة، وتترجم هذا المعنى إلى أفعال يومية. نحتاج أن نعود إلى تعاليم ديننا التي تجعل من الرحمة أساسًا في العلاقات الاجتماعية، بل وفي كل تفاصيل الحياة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه”، هذه المحبة يجب أن تكون مصحوبة بالرحمة، فكيف أرى أخي في ضيق ولا أرحمه؟ وكيف أراه في حاجة ولا أسعى لتفريج كربته؟ فلنكن كرماء في عطفنا، سخاءً في رحمتنا، ولنثق أن الله يجازي الراحمين خيرًا.
أيها الأحبة، لنتذكر أن الدنيا دار فانية، والآخرة هي دار البقاء، وأن رحمتنا بخلق الله في الدنيا ستكون سببًا لرحمة الله بنا يوم نلقاه. فلنحرص على أن نكون ممن يتصفون بهذا الخلق العظيم، لعل الله أن يرحمنا في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
نسأل الله أن يجعلنا من الرحماء الذين يرحمهم الله، وأن يلين قلوبنا لبعضنا البعض، وأن يملأها بالحب والرحمة. اللهم اجعلنا ممن قال فيهم نبيك الكريم: “الراحمون يرحمهم الرحمن”، وارزقنا القلوب الرقيقة التي تشعر بآلام الآخرين وتعمل على مساعدتهم.
قسوة القلب وأهمية التخلص من أخطر الأمراض اشغل نفسك بأفضل الأعمال ذكر الله
صعوبة قسوة القلب على أفكار وأفعال
قال الله تعالى: “فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ”، إن هذا الفوز