بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
“يَأْتُوكَ رِجَالًا”
الكلمة هنا تشير إلى الناس الذين يأتون إلى الحج سيرًا على أقدامهم، ما يعكس الجهد والتعب الذي يتحملونه للوصول إلى
الرئيسية » منهاج المسلم » الدعوة الإسلامية » مفاهيم » التراث الديني
لكل أمة تراثها الديني والحضاري الأساسي الذي يكون خصائصها ونفسية أبنائها وطرق حياتهم وتفكيرهم وأي ضياع لهذا التراث إنما يؤدي إلى ضياع آخر في عقول أبنائها وقلوبهم ويؤثر بالتالي على قوة الأمة وسلامة خصائصها.
والتفاعل الحضاري، وإن كان ضرورة من الضرورات بين الأمم والشعوب إنما يكون مفيدا إذا لم يضر بالميراث الأصيل والبناء الأساسي لشخصية الأمة أما إذ تعدى إلى التراث فإنه حينئذ يضعف خصائص الأمة ويلحقها بغيرها وهو في هذه الحالة لا يكون تفاعلا بين أمة وأمة. بل يكون إذابة لكيان أمة في أمة أخرى.
ولذلك كانت الفتوحات الإسلامية من أنجح الفتوحات في التاريخ الإنساني لأن أبطال الإسلام الأوائل لم يكونوا يقصدون الاستيلاء على الأراضي أو استعباد الناس وثرواتهم بل كان المسلم يدفع من الزكاة والضرائب الأخرى للدولة أكثر مما يدفعه الذمي من الجزية. وإنما كانوا يقصدون إلى تنوير الناس بالإسلام ونشر تراثه وقيمه ومحو تراث الجاهلية بمختلف صوره حينذاك. وقد نجحوا عندما طبقوا النظام الإسلامي بكل ما فيه من قيم على المجتمعات فتحولت برغبتها إلى الإسلام.، لذلك فمن الضروري لدى مناقشة اتجاهالتغريب التفريق بين نقل ونقل، وذلك من خلال المحددات العلمية المتعارف عليها،فهناك نقل يجعل الإسلام هو أساس التفكير وأساس المجتمع وحياته، ولا بأس أن يأخذ ما يستحسنه لدى هذه الأمة أو تلك مما يوافق التراث.
فالعلوم الحديثة مثلان تلك التي تبحث في الكون وتاريخ الأمم وأحوال الشعوب قد دعا إلى الإسلام وحض على طلبها من أجل تسخير الكون الذي خلق خصيصا للإنسان، لكن المسلمين في عصورهم الأخيرة تقاعسوا عن القيام بحق هذه العلوم فعندما تأخذ ثمرات البحث العلمي
الذي وصل إليه الغرب متأثرين بالنهضة الإسلامية أساسا فإنما نسترد شيئا لدينا منه أصله ومنطقته “فهي بضاعتنا ردت إلينا” لأننا وضعنا الإسلام موضعه أساساً لعملية الاختيار نعرض عليه ما يعجبنا فإن كان له أصل فيه أخذناه وإلا فلا.
وهناك نقل آخر، يدعو إلى دعاة التغريب وهو نقل حضارة الغرب بحذافيرها إلى الشرق سواء كان المنقول حسناً أو سيئاً، فقد طالب البعض صراحة بذلك، وطالبوا بنقل خيرها وشرها حلوها ومرها وما يحب منها وما يكره، وما يحسن منها وما يعاب، بل وصل الأمر بالدعوة إلى التبعية للأوروبي بأن نرى الأشياء كما يراها ونقومها كما يقومها ونحكم عليها كما يحكم عليها، وكأن الأمر ليس أمر تقدمنا ونهضتنا فقط بل لابد أن نشعر الأوروبي بأننا نرى الأشياء كما يراها بالضبط.
والنقل بهذا الشكل عملية فكرية واجتماعية خطيرة الأثر على نفسية الأمة لأنها تجعل الحضارة الغربية هي المثل الأعلى الذي ينبغي أن نحتذى به وأن نركن إليه تماما في تسيير الحياة، أو بعبارة أخرى تجعل الحضارة الغربة هي المصدر الأول الذي يجب الوقوف عنده أولا، لنختار منه طرائق حياتنا أو تسنفتيه في مشكلاتنا، وما الشريعة الإسلامية والتراث الإسلامي الأصيل لهذه الأمة إلا مصدر متأخر يتلو الحضارة الغربية، هذا إن اعتبر مصدرا أصلا.
وجعل الحضارة الغربية هي المثل الأعلى على هذا النحو يخلق التبعية في نفس الأمة وعقلها فتحطم اعتداد أبنائها بذواتهم ومقدراتهم كلها كلما تطاولت الأيام وتعاقبت الأجيال.
لذلك من الضروري في هذا المقام أن نلاحظ الفرق بين النقل الذي يطالب به دعاة التغريب، وبين النقل الذي نقل به الغرب عن الحضارة الإسلامية، وهو ذلك النقل الذي يحافظ على الهوية، فيبقي على ملكة التفكير ويساعد في القدرة على الابتكار، ولعل ذلك يفسر حالة الكمون العلمي الذي تستغرق فيها الأمة.
الكلمة هنا تشير إلى الناس الذين يأتون إلى الحج سيرًا على أقدامهم، ما يعكس الجهد والتعب الذي يتحملونه للوصول إلى
أصبحت الأمة الإسلامية تعاني الكثير من المخاطر التي تهدد مستقبلها وتوجب على العلماء والدعاة والمجامع الفقهية التأمل فيها بالكلية بهدف
ذكر القرآن الكريم في أكثر من موضع قصة قوم عاد الذين عاشوا في مدينة عظيمة هي مدينة (إرم) التي أخبر
تعرض التاريخ الإسلامي لأكبر قدر من الغزو الفكري، فقد دأب الأعداء على تشويه تاريخ الأمة الإسلامية، ذلك أن التاريخ –